لحقَ الشيخُ بركبِ الصالحين | فلماذا يا جراحي تنزفين؟ |
ولماذا يا فؤادي تشتكي | ولماذا يا دموعي تَذرفين؟ |
رحل الشيخ عن الدنيا التي | كلُّ ما فيها سوى الذِّكر لَعين |
فارقَ الدنيا، وما الدنيا سوى | خيمةٍ مَنصوبةٍ للعابرين |
فارقَ الدنيا التي تَفَنَى إلى | منزلٍ رَحبٍ وجناتٍ، وَعِين |
ذاكَ ما نرجو، وهذا ظنُّنا | بالذي يغفر للمستغفرين |
رحل الشيخُ على مِثلِ الضُّحَى | من صلاحٍ وثباتٍ ويقين |
فلماذا أيُّها القلبُ أرى | هذه اللَّوعَةَ تسري في الوَتين؟ |
ولماذا يا حروفَ الشعر عن | سرِّ آلام فؤادي تكشفين |
أتركي الحسرةَ في موقعها | تتغذَّى من أسى قلبي الحزين |
وارحلي بي رحلةً مُوغلة | في حياةِ العُلماءِ الأكرمين |
واسلُكي بي ذلكَ الدَّربَ الذي | ظِلُّه يحمي وجوهَ السالكين |
يا حروفَ الشعر لا تَصطحبي | لغةَ الشعر الى جُرحي الدَّفين |
ربماأحرقها الجرحُ، فما | صار للشعر فَمٌ يَروي الحنين |
واتركي لوعةَ قلبي، إنَّها | تارةً تقسو، وتاراتٍ تَلين |
وادخلي بي واحةَ العلم التي | فُتحت أبوابُها للوافدين |
عندها سوف نرى النَّبعَ الذي | لم يزل يَشفي غَليلَ الظامئين |
شيخُنا ما كانَ إلاَّ عَلَماً | يتسامى بخشوع العابدين |
عالمُ السنَّةِ والفقهِ الذي | هزَمَ اللهُ به المبتدعين |
لا نزكّيه، ولكنَّا نرى | صُوراً تُلحِقُه بالصادقين |
في خيوط الشمس ما يُغني، وإن | أنكرتها نظراتُ الغافلين |
راحلٌ ما غاب إلا جسمُه | ولنا من علمه كنزٌ ثمين |
ما لقيناه على دَربِ الهوى | بل على دَربِ الهُداةِ المهتدين |
لكأني أُبصر الدنيا التي | بذلت إغراءَها للناظرين |
أقبلت تَعرض من فتنتها | صوراً تَسبي عقول الغافلين |
رقصَت من حوله، لكنَّها | لم تجد إلا سُموَّ الزَّاهدين |
أرسل الشيخُ إليها نَظرةً | من عُزوف الراكعين الساجدين |
فمضت خائبةً خاسرةً | تتحاشى نظراتِ الشَّامتين |
أخرجَ الدنيا من القلبِ، وفي | كفِّه منها بلاغُ الراحلين |
لم يكن في عُزلةٍ عنها، ولم | يُغلقِ البابَ عن المسترشدين |
غيرَ أنَّ القلبَ لم يُشغَل بها | كان مشغولاً بربِّ العالمين |
أوَ ما أعرض عنها قَبلَه | سيِّدُ الخلقِ، إمامُ المرسلين |
أيُّها الشيخُ، لقد علَّمتنا | كيف نرعى حُرمَةَ المستضعفين |
كيف نَستَشعِرُ من أمَّتنا | صرخة الثَّكلَى ودَمعَ الَّلاجئين |
كيف نبني هِمَّةَ الجيل على | منهج التقوى، ووعي الراشدين |
كنتَ يا شيخ على علمٍ بما | نالنا من غَفلةِ المنهزمين |
قومُنا ساروا على درب الرَّدَى | فغدوا ألعوبةَ المستعمرين |
شرَّقوا حيناً وحيناً غرَّبوا | واستُبيحت أرضهم للغاصبين |
هجروا الصَّالحَ من أفكارهم | فتلقَّتهم يدُ المستشرقين |
وارتموا في حضن أرباب الهوى | من ذيول الغاصب المستعربين |
ضيَّعوا الأقصى وظنُّوا أنَّهم | سوف يحظون بِسِلمِ المعتدين |
فإذا بالفارس الطفل على | هامة المجد ينادي الواهمين |
صاغها ملحمةً قُدسيَّةً | ذكَّرتنا بشموخ الفاتحين |
قالها الطفلُ، وقُلنا معه | إنَّ بيعَ القدس بَيعُ الخاسرين |
أيُّها الشيخُ الذي أهدى لنا | صُوَراً بيضاءَ من علمٍ ودين |
لم تكن تغفل عن أمَّتنا | وضلالاتِ بَنيها العابثين |
كنتَ تدعوها إلى درب الهُدَى | وتناديها نداءَ المصلحين |
قلتَ للأمةِ، والبؤسُ على | وجهها الباكي غبارٌ للأنين |
إنما تغسل هذا البوسَ عن | وجهكِ الباكي، دموع التائبين |
أيها الشيخُ الذي ودَّعَنا | عاليَ الهمَّةِ وضَّاح الجبين |
نحن نلقاك وإن فارقتَنا | في علومٍ بقيت للرَّاغبين |
أنتَ كالشمسِ إذا ما غَربَت | أهدتِ البَدرَ ضياءَ المُدلجين |
أنتَ ما ودَّعتَنا إلاَّ إلى | حيث تُؤويكَ قلوبُ المسلمين |
إن بكيناكَ فإنّا لم نزل | بقضاء الله فينا مُوقنين |
في وفاةِ المصطفى سَلوَى لنا | وعزاءٌ عن وفاةِ الصالحين |
ذلك الرُّزءُ الذي اهتزَّ له | عُمَرُ الفاروقُ ذو العقل الرزين |
ماتَ خيرُ الناس، هذا خَبَرٌ | ترك الناسَ حيارى تائهين |
طاشت الألبابُ حتى سمعوا | ما تلا الصدِّيقُ من قولٍ مُبين |
لا يعزِّينا عن الأحبابِ في | شدَّةِ الهول سوى مَوتِ الأمين |
إنها الرُّوح التي تسمو بنا | ويظلُّ الجسم من ماءٍ وطين |
يحزن القلب ولكنَّا على | حُزنه نَبني شموخ الصابرين |
كلُّنا نفنَى ويبقى ربُّنا | خالق الكون ملاذُ الخائفين |
الأحد، 27 نوفمبر 2011
شموخ الصابرين
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق